السجل البدائي - الفصل 477
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 477: الاندماج والتضحية
في مكان بعيد خارج الزمان والمكان، خارج كل الأكوان المعروفة، كان هناك مكان كان مليئًا بالظلام لمدة لا يمكن تقديرها من الزمن، وهي مدة بعيدة جدًا أو يمكن أن نسميها إلى الأبد.
حدثت مؤخرًا تغييرات في هذا المكان، خارج الزمن. بدأ النور بالظهور في الظلام، في البداية كان هناك واحدٌ بهذا التوهج، ثم ثلاثة، ثم مئة، والآن أصبح هناك الآلاف.
كان هذا الحدث يتسبب في تحول الظلام داخل هذا المكان حيث بدأ ينكسر ببطء، ومع ذلك كانت هذه المساحة شاسعة للغاية، بحيث يمكنك وضع آلاف الأكوان بداخلها ولن تملأ حتى جزءًا صغيرًا من حجمها، لذلك كان هذا الضوء لا يزال ضائعًا في الظلام.
في كل مرة يوقظ فيها روان نورانيا، تشتعل شمس ساطعة داخل هذا المكان، وببطء يبدأ ضوء العديد من الشموس الجديدة في إزعاج التوازن الدقيق الذي كان موجودًا هنا لفترة طويلة.
من بين كل الشموس الجديدة التي كانت تتوهج في الظلام، كانت أربع منها ساطعة بشكل لافت، وبدأت شدة الضوء تزداد بشكل كبير حتى بدأ شيء ما في الظلام يتحرك. كان بعيدًا جدًا عن ذلك المكان، وما وصل إلى هذا الكيان بالكاد يُوصف بأنه إحساس، ومع ذلك، فقد بدأ يستيقظ.
لكن مع اشتداد ضوء الشموس الأربع إلى شدة محمومة، اختفى فجأة. وعاد الكيان الذي كان يتحرك في الظلام إلى النوم.
لم يكن معروفًا ما إذا كان هذا نتيجة حظ روان المتزايد أو بالصدفة البحتة التي جعلته يتمكن من الهروب من كارثة.
******
اتسعت عينا روان في رهبة. لم تكن هذه الشموس الأربع التي ظهرت في فضائه العقلي مجرد إسقاطات، بل كانت حقيقية، كان نورها وحرارتها مذهلين، ومع ارتباطه بها، أدرك أنها قلوب نورانيين، ومصدر قوتهم ومرتكز سلطانهم، وسيبقون ما دامت هذه الشمس متقدة.
كانت أحجامها أصغر مما كان متوقعًا، حيث كان قطر كل منها ألف ميل فقط، ولم يكن الضوء الصادر منها أبيضًا فحسب، بل كان مختلطًا بصبغة ذهبية.
شعر روان برعشة في وعيه، إذ تكوّنت صلة أعمق بينه وبين النورانيين الناضجين. بدأت الشموس الأربع تتباعد وهي تهرب إلى أقاصي فضائه العقلي، تحملها تيارات الأثير الخفية.
راقب روان إبحارهم، فابتسم حين تجلّى له أمرٌ جلل. نظر إلى بحر الظلام البدائي في الأسفل، وإلى الشموس المبحرة في الأعلى، فذكّرته بخلق الكون. مع ذلك، كان هذا الكون مختلفًا أيضًا. كانت معرفة هذا الاختلاف على حافة ذاكرته، لكنه لم يستطع لمسها.
ظهر أمامه النورانيون الأربعة الناضجون، وجثوا على ركبة واحدة، وكانت أجسادهم أكبر، فكان طول سوريال وإيروديل أربعة عشر قدمًا، وطول نزراقيم ودورا ثلاثة عشر قدمًا ونصفًا. كانت أجنحتهم مطوية خلفهم، ودروعهم منسدلة، فلم يبقَ لهم سوى شريط أبيض من الملابس حول أجسادهم.
كان كل واحد من النورانيين الأربعة كاملاً في شكله حيث كان كل بوصة من أجسادهم متناسبة تمامًا دون أي عيب واحد، وكانت عيونهم تحترق مثل اللهب وكان الشعر على رؤوسهم أبيض مثل الثلج، حتى رموشهم كانت بيضاء.
على عكس الملوك الذين لم يندمجوا مع أي بشر، كانت دورا ونيزراقيم يرتجفان من السعادة التي بالكاد مقنعة، حيث كانت فكرة كونهما من أوائل من أصبحى رئساء نورانيين قد دفعت عقليهما إلى حواف النعيم وما بعده.
إن فكرة أنهم يستطيعون خدمة منشئهما بطريقة أكثر مباشرة جعلت قلبيهما النورانيين ينبضان ألف مرة في الدقيقة، وكان الأمر بمثابة صراع مكثف بالنسبة لهم للحفاظ على اللباقة.
شعر روان بإحساس هائل من السعادة والرضا، كان الأمر أشبه برؤية طفلك يكبر، مع وضع اتصال شموسه داخل فضائه العقلي، إزدهر حبه لهاؤلاء النورانيين.
لم يعودوا مجرد جزء يمكن التخلص منه، بل أصبحوا الآن مثل أطفاله تقريبًا، بالمعنى الحقيقي للكلمة.
“انهضوا”، قال روان، فنهضوا، “اختاروا الجانب المفقود منكم، واصعدوا، يا أبنائي الأحباء”.
نهض النورانيون الأربعة ونشروا أجنحتهم على نطاق واسع، ومن الخلف، خرجت أربعة أشكال مدرعة من بين الألفين من النورانيين المستيقظين حديثًا وطفت إلى النورانيين الأربعة المحلقين، وتم تجريدهم من دروعهم وكشف عن أن مظهرهم مشابه جدًا، متطابق تقريبًا مع النورانيين الناضجين باستثناء حقيقة أنهم كانوا أصغر حجمًا.
لقد طفوا إلى شركائهم وبدأت أجسادهم تنهار في النيران والضوء الذي أطلق في عيون وأنوف وأفواه النورانيين الناضجين.
بدت النيران التي تحولوا إليها وكأنها لا تنتهي وتسكب في أجساد أنفسهم الناضجة، وبدا الأمر كما لو كانوا يستنشقون نجمًا بأكمله.
كان روان حريصًا على مراقبة هذه العملية، حيث قام بدمج حواسه مع النورانيين حتى يتمكن من فهم كل ما يحدث داخل أجسادهم بعمق.
كانت أجساد النورانيين تشهد تغييرات هائلة. فإذا كانت أجسادهم مليئةً بالفراغات سابقًا، فإن هذه الفراغات تُملأ بسرعة وتُكمّل.
كانت تريليونات الخلايا تنفصل وتندمج في تريليونات من التكوينات المختلفة، بينما كان كل جزء من النورانيين يتغير جذريًا. انتهى تدفق النيران، وحلّق النورانيون في الهواء وأعينهم مغمضة. اختفت النيران، واختفى النورانيون الذين ولدوا للتو.
لقد ظهروا للحظة وجيزة والآن رحلوا، وقد تحقق الغرض الحقيقي لوجودهم، وكان الاندماج مع أجسادهم الناضجة ظاهرة غامضة، لأنه كان في نفس الوقت اندماجًا للأجساد وأيضًا تضحية.
ساد الصمت للحظات، ثم فجأةً انبسطت أجنحة النورانيين الصاعدين والتفت حولهم. غطت أجسادهم بالكامل، وفي لحظات قليلة، ظهرت أجنحة أخرى من خلفهم وغطتهم أيضًا. وساد الصمت الفضاء العقلي مرة أخرى.
الترجمة : كوكبة