السجل البدائي - الفصل 422

الفصل 422: العيش بلا روح

استطاع روان فهم كل هذه المشاعر من النظرة الأولى، لأنه كان يشعر بنفس الشعور، منعزلاً عن الشخص الذي يعرفه أكثر من غيره. عندما بلغ التوتر بينهما حدّاً كافياً لقطعه بسكين، ابتسم فجأةً وأعاد التواصل.

لقد ربط إيفا مرة أخرى ببئر المعرفة، والإسطرلاب، والحدادة الجوفاء، ومنحها السلطة للسيطرة على أراضيه، بحر الظلام البدائي.

اتسعت عيناها واشتعل شعرها، حيث ملأت موجات تلو الأخرى من القوة التي لا نهاية لها جسدها الفاني مرة أخرى وحولتها إلى عالم السمو.

تدفقت ظلال سوداء من جلدها كالحبر، ومع ذلك، كان بالإمكان رؤية عينيها السوداوين العميقتين داخل ذلك الظل. نظرت إليه إيفا بفرح وسعادة، فأومأ لها برأسه.

رغم أنها فانية، إلا أنها كانت جزءًا منه، والتخلص منها أشبه بفقدان أحد أطرافه. تعمد روان انتظار استيقاظها ورؤية هيئتها الفانية ليمنحها خيارًا، وكان من دواعي سروره رؤية هذا الجانب الهش من إيفا، فلم يسبق لها أن أظهرت هذا التنوع في المشاعر من قبل.

مع ذلك، كان يتمنى أن يمنحها خيارًا لم يكن أمامه قط. حتى لو اختارت أن تعيش حياة فانية، فسيحميها ما دامت ترغب في الحياة، وسيُحفظ عنها أي شكل من أشكال الحرب أو الكوارث، ولن يعارض مصلحتها أبدًا.

في حياة المعركة التي كانت أمامه، لم يكن بإمكانه سوى سحب الجميع وكل شيء إلى جانبه، وكانت كل حركة يقوم بها تسبب اضطرابات لا حصر لها لواقع عدد لا يحصى من الناس من حوله.

بمجرد زرعه 140 كوكبا، وضع حياة مئات المليارات بين يديه، وكان قوةً لا تُقهر، ستجرّ كل شيءٍ إلى جانبه. لو خيّر أحدًا لترك خدمته، لكانت إيفا.

فهمت إيفا كل ذلك، وسعدت باختياره لها. لكنها ليست فانية، ولم تكن كذلك قط، والرحمة التي أراد روان أن يمنحها إياها ستكون لعنة، وستحطم روحها.

لقد ولدت للحرب، للمعارك الطويلة التي امتدت لآلاف السنين، ولقيادة مليارات النورانيين على مليار جبهة معركة، ولتوجيه إمبراطورية امتدت في جميع أنحاء الكون.

بدأت ذكريات حياتها الماضية تعود تدريجيًا إلى الواجهة، وكل ما تذكرته كان حربًا، حروبًا لا تنتهي في ملايين الحقول. لو أراد روان النجاة، لكان بحاجة إلى مساعدتها.

كانت حياة الفانية لعنة من شأنها أن تقتلها في يوم واحد.

نعم، لقد كانت تقدر رحمته، لكنها كانت تفضل الموت وهي تصرخ في ساحة المعركة بدلاً من قضاء مليون عام تعيش كبشرية.

اخترقت إيفا جبهة روان في شكلها الظلي وحلقت فوق البحر البدائي بعينيها مغلقتين بينما كانت تهضم كل المعلومات والتغييرات التي شاركها روان معها للتو.

تنهد روان، لقد فهم المشاعر في قلب إيفا، إذا كان هذا ما تريده، فسيكون ممتنًا لوجودها بجانبه.

نظر روان بتسلية إلى ديان التي كانت تبكي، بعد فترة قصيرة، مسحت عينيها ورأت أن وجهها كان مضغوطًا على عضلات بطن روان الصلبة.

كان جسد روان حلمًا لسامي يوناني، وعلى الرغم من أن كل خصلة من لحمه كانت تحتوي على قوة كافية لسحق سلسلة جبال إلى غبار، إلا أنه كان لا يزال يبدو ناعمًا نسبيًا ومليئًا بالحيوية.

ظهر شكله الجديد عندما تجاوزت جميع سماته مئة ألف نقطة. لم يعد جسده يبدو مصنوعًا من المعدن، لكن قد تخدعه الرؤية، إذ يتطلب الأمر مُصهرًا بحرارة الشمس ليبدأ في إذابة جلده.

احمرّ وجه ديان وبدأت بالسعال بعد أن ابتلعت لعابها وكادت أن تختنق. بعد ثلاث سنوات، أصبحت شابة في الثامنة عشرة من عمرها، ومنحها عملها كنساج تعاويذ شعر روان الذهبي، مما جعلها تبدو مشابهة له.

كانت جاذبية روان تتجاوز ما يمكن لأي إنسان أن يتصوره، ولم تسمح لها إلا الإرادة القوية بتركيز أفكارها على ما هو مهم وأداء واجباتها في خدمة سيدها.

بعد أن أمضى بعض الوقت في مواساتها ومناقشتها، أرسلها سريعًا لتبشّر الناس بالخبر. كان من دواعي سروره أن يتواصل مع الأصدقاء، لكن الحرب كانت تلوح في الأفق، وكان عليه أن يستعد.

*****

دخل روان إلى فضائه العقلي مرة أخرى ووجه انتباهه إلى بئر المعرفة حيث خرجت أعمدة الوعي من شكلها غير المادي وأصبحت مادية.

لقد انتشر فهم كيفية إنشاء مثل هذا السلاح القوي في وعيه وبدأ عمودان آخران للوعي في الظهور حول بئر المعرفة الخاص به، وزاد عددهما إلى 37.

عندما تعود دورا بأرواح الأسلحة، ستبدأ تجاربه من جديد. كان متشوقا لمعرفة نتائج هذه التجربة.

كان روان يُسلم معظم أعمدة وعيه إلى بئر المعرفة لمساعدته في العمليات الحسابية. كان يُطور قوةً هائلة، ولأنه لم يكن يمتلك روحًا، كان عليه القيام بالعديد من المهام التي كان ينبغي أن تُترك للروح، والتي لم يكن معظم الناس يدركون أنها تُنجز يوميًا.

لم يكن مركز الوعي في الدماغ، بل في الروح، وللسيطرة على الكم الهائل من الطاقة التي جمعها روان، والتي كانت تتزايد يومًا بعد يوم. كان على بئر معرفته أن يحتوي على ما يكفي من أعمدة الوعي. وكان أعظم سببٍ لقدرته على زرع كواكب تتجاوز حدوده هو قوة بئر المعرفة.

كان هذا هو السبب وراء امتلاك السامين والسحرة الكبار أرواحًا خالدة هائلة وقوية، ولا شيء أقل من ذلك يمكنه فهم ودعم قدراتهم المذهلة.

كان هذا هو السبب وراء أهمية سمة الروح، على الرغم من أن معظم الناس فهموا ارتباط الروح بالكيان، إلا أنهم لم يدركوا الطبيعة الكاملة لأرواحهم وجميع المهام التي كانت تؤديها.

الترجمة : كوكبة