السجل البدائي - الفصل 389

الفصل 389: التغيرات في مصفوفة الروح

لم يكن هذا المكان مكانًا مناسبًا للبقاء طويلًا. فجأةً، فقدت الرغبة في بلوغ فن التأمل الأسمى. كان الوصول إلى هذه النقطة كافيًا، فأي شيء أكثر من ذلك بدا… هرطقة.

أدركت ميرا بسرعة أنه بدون مساعدة أندار وكاسري الحدود، كان من المستحيل عليها الوصول إلى هذه النقطة، وكان عليها أن تكتفي بفن التأمل في درجة القدر السماوي الأساسي، النواة الدوارة.

لم تكن نصوص الرتبة 0 التي كانت بحوزتها كافيةً لها للوصول إلى هذا المستوى، حتى لو حملت عشرة أضعافها. لا عجب أن والدها كان يبتسم لطلبها بالوصول إلى هذا المستوى، حسنًا، لقد نجحت، لكنها كانت محظوظة، ولم ترغب في طلب المزيد، كل ما أرادته هو أن يكون أندار بخير، مهما حدث له، لم يكن جيدًا… شعرت بالخوف منه ومن أجله.

كانت الضربات النهائية التي وجهها أندار قريبة من ذروة قوة النصوص الهجومية من الدرجة الأولى، وكان عليه أن يطلق ضربات بهذا المستوى عشرات المرات.

وقف أندار ورأسه منحني، واقتربت منه، وعندما حاولت ميرا لمسه، تراجعت مع صرخة مفجعة وسقطت على الأرض حيث كادت أن تتبول على نفسها وهي تتدحرج على الأرض من الألم.

لمست ميرا القليل من الغاز الأحمر المحيط بجسده واكتشفت أن الغاز لم يكن سوى ألم خالص في صورة.

سرعان ما فقدت لياقتها، إذ خارت قواها، ودارت عيناها في رأسها، وغرقت في أفظع تجربة في حياتها. شعرت وكأن جسدها يُمزق قطعة قطعة، وتضاعف ألم التجربة حتى بلغ كل ما تشعر به.

لو عرض عليها أحد الموت في هذه اللحظة لقبلته بكل سرور.

كان الهتاف في عقلها والذي كان يُردد دون وعي داخل رأسها هو الشيء الوحيد الذي حافظ على سلامتها العقلية، وأيضًا فهمها أن أيًا كان ما تشعر به، يجب أن يكون أندار يعاني منه مائة مرة أسوأ منها.

كيف كان لا يزال عاقلاً وسليماً؟ كيف كان حياً أصلاً؟

سحبها صوتٌ عالٍ ومتواصل من عقلها: ‘من المؤكد أنه لا يزال يحاول الوصول إلى المستوى التالي’. لم يستطع عقل ميرا المنهك استيعاب هذا المفهوم.

نظرت ميرا من خلال عيون مليئة بالدموع، بالكاد استطاعت فتحها لأن الألم مع كل حركة صغيرة كانت تقوم بها كان مبرحًا، حتى خصلات شعرها كانت تشعر بالألم!

ومع ذلك فإن التفكير فيما قد يفعله أندار جعلها تستمر.

لقد رأت ظهر أندار.

بالنسبة لشاب يبلغ من العمر أربعة عشر عامًا، كان أطول من المتوسط لكن كتفيه لم تكونا عريضتين، لكن هذا لم يوقف الشعور بالقوة والجنون الشديد الذي كان ينبعث منه.

كانت مُحقة. كان يرتطم بالأرض ليُمسك بيد السامي المُقيّد. كان هذا الفتى المُجنون يسعى لفن التأمل الأسمى مُتحديًا كل الصعاب.

إذا كان الغاز الأحمر الذي كان يحيط به من قبل عبارة عن قطرة صغيرة، فهو الآن محاط بطوفان صارخ من اللون الأحمر.

تشكل الإعصار الأحمر حوله، ومع كل لكمة يوجهها، أصبح الإعصار أكبر حتى غطاه، ومع ذلك لم يتوقف صوت ضرباته أبدًا.

“بحق النور نهائي، أندار…” نادت ميرا، كان المنظر الذي تراه مذهلا لدرجة أنها عرفت انها لن تنساه ابدا طوال حياتها، لقد جعل ألم اندار ألمها يبدوا كمجرد نكتة.

كان عليها أن تشهد هذا. شخص ما عليه أن يفعل.

*****

لقد نظر أندار إلى ذكرياته مع روان، ومن خلالها اختار المثل العليا التي تتوافق معه.

من أستاذه الخيميائي، اختار المنهج التحليلي في التفكير وحل المشكلات. هذه مهارة لطالما سعى أستاذه إلى تعليمه إياها، وتمنى لو أنه اهتم بها أكثر من قبل.

من روان، ورث برودته. عندما كان يغضب أو يواجه تحديات، لم يكن يضطرب، بل كان باردًا وحسابيًا، محاربًا ومفترسًا من الطراز الأول.

قام بدمج تلك الدروس وسمات الشخصية وجعلها خاصة به.

مع تفاقم الألم، دفع أندار عقله إلى تلك الحالة من التفكير. لم يعد يهرب منه، بل سعى إلى جذوره، دفع عقله لا إلى الهروب منه، بل إلى احتضانه، ففككه وشاهد تأثيره على جسده.

لم يكن الأمر مجرد قبول للألم، بل كان شكلاً غريبًا من الفهم.

لقد تحول شيء ما داخل فضائه العقلي ونظر أندار داخل نفسه إلى مصفوفة الروح ورأى ريحًا باردة ضبابية مثل الغبار بدأت تتجمع على حواف مصفوفة الروح، ومع كل لحظة بدأت تزداد في الحجم.

في غضون ثوانٍ قليلة، تم تغليف مصفوفة روحه بالكامل بواسطة عاصفة من الغبار المتصاعد، واكتشف أندار أن عقله أصبح باردًا قبل أن يتحطم إلى مليون قطعة ويتم تجميعها معًا، كل قطعة مدمجة في لحمه.

لقد كان ما يحصل شيئا غريبًا لم يستطع أن يفهمه، ولكن إذا أراد أن يعرفه، فسوف يراه على أنه الطريقة التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي.

انحصر وجوده في سلسلة من الأبيض والأسود، والنعم واللا، والإيجاب والسلب. كان تحريك يده يتطلب منه إرسال رسالة “نعم” و”لا” إلى ذراعه، فيقول لمرفقه “لا” للحركة ولمعصمه “نعم” للتحرك إلى اليمين.

كان لا بد من توجيه أصابعه بشكل فردي، وعندما ابتسم لميرا، كان عليه أن يصدر ثلاثة آلاف أمر حتى يتحرك فمه في صورة طبق الأصل من الابتسامة.

لم يكن أندار يدري لماذا استطاع الوصول إلى هذه الحالة. كان الأمر كما لو أنه أعاد جهازه العصبي إلى حالته الأساسية، وتمكن من توجيه كل عصب من أعصابه لأداء مهمته.

حتى روان كان مرتبكًا، الشيء الوحيد الذي فهمه هو أن هذا التغيير جاء من مصفوفة الروح، وكان على الأرجح تغييرًا فريدًا لا يمكن اشتقاقه إلا منه.

الترجمة : كوكبة