السجل البدائي - الفصل 352
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 352: الجبل الفضي
كان اندماج انعكاسه مع أندار سلسًا، فهو لا يزال روان، لكن سلوكياته وأهدافه قد استُبدلت بسلوكيات أندار وأهدافه. كانت خدعة مألوفة لدى روان، إذ كان يجيد لعب دور شخص آخر لدرجة أنه أصبح هو. لقد فعلها مرة داخل النيكسوس، ويفعلها الآن مجددًا.
بدأت الأحجار المنهارة بالانجراف نحو الفراغ على الجانب الآخر من البوابة. كانت هذه الخطوة الأولى لإيقاظ مصفوفة الروح.
لقد استُهلكت بوابتك كوقودٍ لولادة مصفوفة روحك. كان الاضطراب هائلاً، كأن ألف زلزالٍ يحدث في آنٍ واحد.
شاهد أندار آخر شظايا البوابة تُسحب إلى الفراغ، وانتظر الخطوة التالية. حتى بعد أن بدا الأمر وكأنه أبدية.
كان يعلم أن الزمن قابل للتطويع أثناء الإستيقاظ وكان يدرك أيضًا أن بوابته لا تُضاهى. أن يشتعل شيءٌ بهذا الحجم، فهذا يعني…
ظهر وميض ضوء ساطع، مثل فجر الخلق، داخل الفراغ، وارتجف أندار، لم يكن لإدراكه عيون مادية وإلا فإن هذا الضوء الساطع كان سيحوله إلى رماد.
كان روان قد رأى مشهدًا مشابهًا من قبل، وكانت تلك لحظة خلق الكون. كان مشابهًا بشكل مخيف للضوء الذي رآه في الذكريات التي انتزعها من والده.
إلا أن نور إستيقاظه كان فضيًا.
وصله صوت البوابة وهي تشتعل في داخله بعد لحظة، فانضغط إدراكه كاللوح الخشبي، إذ بدأت قطع منه تتحطم وتطير، وكل قطعة تتكسر كانت مؤلمة للغاية. كاد أن يصرخ من الألم، لكن هذا الشعور بالقلق لم يعد له معنى بعد أن تجاوز ألمه حدًا معينًا.
لقد أبقى إدراكه مفتوحًا لأطول فترة ممكنة، لأن مشاهدة هذا المشهد كانت مهمة.
كان مختلفًا عن كل الرؤى بهذا الحجم التي رآها. لقد فُصِّلت هذه الرؤى من إدراك شخص آخر، وما اختبره كان مُخفَّفًا.
كان هذا مختلفًا، كانت الأشياء التي كان يراها خامًا وغير ملموس، وكان يعلم غريزيًا أن حفظ أكبر قدر ممكن من هذا المشهد سيكون له فوائد غير قابلة للتحديد في المستقبل لأنه كان يحفظ الكثير لدرجة أنه لا يستطيع تفسيره حاليًا في هذا الوقت، لكن لن يكون الأمر كذلك في المستقبل.
مهما كان ما فعله منشئ السحرة الأول لإنشاء مصفوفة الروح، فقد كان مسعى يهز السماء، حيث قام بعملية الصحوة لنسخ مشهد الكون الذي يتم إنشاؤه، محاكياً تلك اللحظة الخاصة التي بالكاد شوهدت في عصور لا حصر لها.
بدأ إدراك أندار ينهار، ومع ذلك لم يتخلى عن هذا المنظر. كان كدواء لا يريد التوقف عنه حتى لو كان سيقتله. لا، قد يقتله إن لم يتوقف.
حينها رآه. جاء كموجة فضية، كآخر ضوء في المساء يصطدم بالثلج المتساقط.
لقد كان الإستيقاظ.
عندما اجتاح هذا النور إدراكه وبدأ يملأ جسده، أدرك أنه كان مجرد أثر جانبي لخلق مصفوفة روحه. انفجر النور متجاوزًا جسده، غير مرئي، وهرب إلى الكون.
كان شعوره بوجود مليون نملة تقضم كل شبر من جسده موضع ترحيب لأنه أبقى إدراكه مستيقظًا لفترة أطول قليلاً حتى يتمكن من رؤية هذا المنظر المجيد.
ثم انتهى الأمر.
انكشفت مصفوفة روحه، فكانت بحيرةً مليئةً بمياه فضية لا حدود لها. في وسط البحيرة، كان جبلٌ فضيٌّ يتلألأ بنورٍ خارقٍ للطبيعة.
لقد وصل الألم الناتج عن إبقاء إدراكه نشطًا إلى حده وأُجبر على الهروب من عقله.
شعر أندار على الفور بألم جديد، ألم في رأسه وجسده. شعر وكأن شيطانين صغيرين يطعنان عينيه بشوكتين مكهربتين، ولم تكن موجة الصداع المخدر التي لا تنتهي التي كان يشعر بها أفضل حالًا أيضًا.
سمع صوت انفجار قوي فوقه فهل نهار و كافح لأذنيه، ولم يكن الأمر سهلا وشهق بينما كانت الدموع تنهمر على خوذة المغلقتين، وكان قليل من الضوء الذي دخل من خلال رموشه مثل السياط لدماغه.
في تلك اللحظة شعر بيد دافئة ترفع رأسه عن الأرض، وانزلقت زجاجة بين أسنانه المشدودة، ولمس سائل شرابي حلو لسانه، وانتشرت موجة من الطاقة وتسكين الألم الحلو من لسانه إلى رأسه وعموده الفقري حتى وصلت إلى جميع أطرافه.
أمسك باليد التي تطعمه السائل، وضغطها بقوة أكبر على فمه، وأخذ رشفات طويلة وعميقة.
دخل ضحك معلمه المألوف إلى أذنيه، “أبطئ يا فتى، أنت لا تريد أن تغرق في هذا الشيء.”
لم يهتم أندار وهو يغرق كل قطرة ثم انهار في ضباب حالم، وأصدر جسده قشعريرة صغيرة حيث قمع الضرر الذي لحق به وكان يتعافى بسرعة.
فتح أندار عينيه وكان العالم مختلفًا.
كان وجهه فوق وجهه وجه معلمه وأستاذه، جوناثان ميلبروكس، بعينيه اللطيفتين ولحيته الطويلة التي تصل إلى معدته، مما يوحي بأن هذا الرجل العجوز طيب القلب. لكن المضحك أنه كان كذلك بالفعل – رجلاً طيب القلب.
كان مشتتًا عن رؤية معلمه وهو يمسك رأسه بسبب المناظر التي كانت عيناه تُريه إياها. هل هكذا يرى كلُّ مستيقظ العالم؟
كان العالم الذي عرفه أندار مليئًا بالألوان، الأحمر والأخضر والأصفر والبرتقالي، أي لون يمكنه أن يتخيل أنه يستطيع رؤيته، لكنه الآن مختلف، لأنه أصبح قادرًا على رؤية المزيد من الألوان أكثر من ذي قبل، نوع مختلف من الألوان.
ابتسم أندار، “معلمي.” حاول الوقوف، لكن يد معلمه اللطيفة والقوية أمسكته.
“ابق ساكنًا، دعني أفحص جسدك. لقد مررت بصحوة عصيبة، وربما لديك إصابات خفية يجب علينا معالجتها بأسرع وقت ممكن قبل أن تتجذر أي مضاعفات مزعجة.”
الترجمة : كوكبة