السجل البدائي - الفصل 334

الفصل 334: الظلام

كان روان يشعر بالقلق.

طبيعة سلالة تجسيد إيف جعلته لا يستطيع النوم حقًا، فبدون روح، لا يستطيع الراحة. لقد حُرم من هذه الرفاهية إلى الأبد. بدلًا من ذلك، سيُوضع وعيه في مكانة خاصة.

لم ير نفسه إلا داخل الظلام، وداخل هذا الظلام، كان الزمن منحرفًا، وكل ثانية في الخارج يمكن أن تكون سنوات داخل هذا المكان، وعلى الرغم من أن روان لم يكن على دراية بمدة سقوط جسده في النوم لهضم الروح التي حصدها من سامي، إلا أنه كان يعلم أنه قضى بالفعل قرونًا داخل الظلام.

لقد كانت تلك فترة طويلة جدًا، حتى بالنسبة له، لأنه لم يكن معتادًا بعد على أن يكون لديه عمر يجعله شبه خالد.

كانت العقود الأولى مقبولة، لم يضع أي خطط أو يراجع الأحداث التي جرت على جاركار، بل استراح وترك لعقله حرية التصرف. تخيّل نفسه ورقةً في جدول، ينسجم مع تياره.

لقد قاده عقله إلى الذاكرة التي جمعها من الأمير الثالث … كما قاده أيضًا إلى ذكرى ذاته الماضية غير القابلة للتعرف عليها والتي تعرضت للتعذيب بينما كانت الأقمار فوقه تُسحب إلى مكان غير معروف بواسطة فروع عملاقة.

لقد أمضى سنوات في التفكير في الذكريات، كان يعلم أنه كان لديه العديد من الفجوات داخلها، لكنه لم يعرف أبدًا أن الكثير منها قد ضاع، لأنه ما كان يمكنه فهمه قبل انتقاله، كان من المفترض أن يتبقى للنبيل روان أصغر جزء من ذاكرته، إذا كانت أصوله تعود بالفعل إلى ملايين السنين، وكانت والدته هي إمبراطورية الحياة إيلورا.

فكر في أمه والأمير الثالث، وفي ماهيته الحقيقية. وتأمل روان في المعارك التي دارت في جاركار، والأخطاء التي ارتكبها، والاتجاه الجديد الذي سيسلكه.

وبعد أن نخل معظم أفكاره وشكوكه، بدأ ينتظر حتى يستيقظ جسده، ولكن بعد مرور كل هذه السنوات، لم يعد راضياً بالانتظار، فبدأ باستكشاف الظلام.

كان موجودًا في هذا الظلام كوعيٍ مُجرّد، وسمع سابقًا صوت إيفا يناديه في الظلام، أما الآن فلا شيء سوى الصمت. على مرّ القرون، جرّب الحركات، وأدرك أنه يستطيع الحركة، لكن بما أن كل شيئ كان واحدًا، لم يكن يعرف زخمه، أو حتى إن كان يتحرك حقًا.

كان روان قد أمضى عقودًا من الزمن يسير في اتجاه واحد فقط، دون أن يرى أي تغييرات ملحوظة، ثم توقف، لأنه كان عليه أن يركز إذا أراد التحرك ولم يكن بإمكانه فعل أي شيء آخر.

لقد علم أن الصوت الذي سمعه في ذلك الوقت متخفياً في هيئة إيفا كان من سلالة دمه، ولو كانت إرادته ضعيفة لكان قد التهمه، ولم يعد سوى صدفة لتجسيد سلالة إيفا.

فجأة خطرت في ذهن روان فكرة، هل من الممكن له أن يستدعي السجل البدائي داخل هذا المكان؟

لقد فوجئ بأنه استغرق وقتًا طويلاً للتفكير في الأمر حقًا، ولكن عندما تذكر السبب كان واضحًا أنه كان يحاول تقليل اعتماده على هذه التفرد حتى يتمكن من السيطرة عليها تمامًا.

باستثناء الظروف المتطرفة، لم يكن بحاجة حقًا إلى السجل البدائي بعد الآن، حيث كان كلا سلالتيه قادرين على البناء على بعضهما البعض والتطور، وكان متأكدًا في الوقت المناسب من أنه سيكون قادرًا على الحكم بدقة على كل جزء من سماته بدقة تامة.

حسنًا، كان هذا الوضع هو الوقت المثالي لاستخدام التفرد لأنه قد يفاجئه بوظيفة مخفية.

راغبا في المحاولة، بدأ يبحث في وعيه عن المحفز الذي كان يستخدمه دائمًا لاستدعاء السجل البدائي، لكنه سرعان ما أدرك أنه سيفشل. مهما كان هذا المكان، فقد قطع إتصاله بجسده. كانت المحفزات موجودة في وعيه، لكنه لم يستطع لمس أي شيء.

بطريقة ما، لم يكن مستيقظًا، أو ربما يقول إنه لم يكن على قيد الحياة، لكنه كان واعيًا أيضًا.

عندما وجد نفسه داخل الظلام، كانت الفكرة الأولى التي جاءت إليه غامضة، وكان قد تجاهلها باعتبارها غير مهمة، لكنه الآن فهم المعنى الحقيقي لها، وفهمه لسلالة تجسيد نما مع هذا الوعي.

شعر بالظلام يهتز من حوله، وأدرك أن شيئًا ما قد تغير مع تعمق فهمه لسلالته؛ أصبح قريبًا من الظلام، وازداد إدراكه له قوة، حتى كاد يشعر به يتدفق عبره وهو يندمج فيه. كان الظلام.

كانت الكلمات التي أدت إلى هذه التغييرات بسيطة، ويجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من هذا المكان: هل يعرف الانعكاس في المرآة أنه مزيف؟

إذا كان هذا الإنعكاس يستطيع أن يفكر، فهل هو موجود الآن حقًا ككائن خاص به وليس مجرد ظل يمكن تبديده بقليل من الضوء؟

هذا المكان، هذا الظلام، كان انعكاسًا لذاته، جزأ منه. وبالمثل، كانا إيفا وقصره الجليدي انعكاسًا لقوة وُجدت منذ زمن بعيد. عندما طوّر سلالة مستولي الأرواح، استمدّ من الأثير البدائي ونسخ سلالةً اندثرت منذ زمن.

ألم تقل إيفا أنها لم تكن سوى نسخة من نسخة من نسخ أخرى لا نهاية لها؟.

هذه السلالة… هل من الممكن لو استطاع إيجاد طريقةٍ ما لكب ينام هذا الانعكاس، هل سيكون هناك انعكاسٌ آخر لهذا الانعكاس يستيقظ؟

لو فكر في الأمر بطريقة أخرى، هل كان من الممكن أن يكون سلالته مجرد انعكاس لروان آخر كان نائماً؟

جعله هذا الفكر يتوقف من الصدمة، إذ لا يزال يتذكر حلمه الأول عندما جاء إلى هذا العالم. رأى عرشًا من جليد، ورجلًا جالسًا أمام حشد من النورانيين.

لقد قال الرجل بوضوح: “أزل النور من عيني، حتى تتمكن من الرؤية”.

لم ينسَ أن تلك الكلمات هي التي أشعلت حقًا تجسيده لسلالة إيف. هل من الممكن أن تكون سلالته انعكاسًا لسلالة شخص آخر؟ وإن كان الأمر كذلك، فماذا سيحدث له عندما يستيقظ هذا الشخص؟

الترجمة : كوكبة