السجل البدائي - الفصل 259

الفصل 259: حقل الهالة

كان تأثير سقوط النوارني مدمرًا، حيث شق جسده طريقه عبر الأرض، سواء عن طريق الخطأ أو عن قصد، كان طريقه نحو بوابة النقل الآني، وكعملاق لا يمكن إيقافه، مزق المدينة وقتل عشرات الآلاف قبل الوصول إلى حافة البوابة.

بالنسبة للأشخاص الذين قتلهم بنزوله، لم يكن لدى نزراقيم أي ضمير مذنب، على العكس من ذلك، كان يعتقد أن كل الأرواح تنتمي إلى المنشئ، ومعظم الذين عاشوا لم يبذلوا قصارى جهدهم لأداء الخدمة المناسبة، وكان موتهم بمثابة تقدمة مستحقة لللورد، لأنه من خلاله، شعر أن أرواحهم وجوهرهم يصلان إلى المنشئ، وحتى لو كان ذلك جزءًا صغيرًا من عظمة حضور المنشئ، فقد كان كافيًا.

استغرق الأمر بعض الوقت ليعود إلى حالته الطبيعية بعد الصدمة، بعد أن أصبح قطعة لحم ممزقة. كان سيستغرق وقتًا أطول، لكن تدفقًا هائلًا من الطاقة الباردة تسلل إلى جسده، وبدأ يتعافى أسرع، وبكى نِزراقيم من رحمة المنشئ.

وقف مع خاتم التخزين الذي يحتاجه، فقد خبأه الحاكم الماكر داخل صدره. تلك الطاقة الباردة الهائلة التي شفت جسده، تحولت إلى شكل إيفا، وكل ما استطاع نيزراقيم فعله هو منع نفسه من دفن وجهه في الأرض وهو يُقدّم لها الخاتم المكاني، وفي وقت قصير حصل على مفتاح البوابة.

انحنى نحو الشكل الذي يختفي في انفجار الضوء، وهو يحمل مفتاح الرون المكاني في يده، ويتحرك نحو بوابة النقل الآني بعد امتلاك بشري، وبعد فترة من الوقت تهتز عندما يمر من خلالها، قبل أن تدمر، ويغرق ذلك الجزء من المدينة الذي كان دائمًا مشتعلًا بالضوء من البوابة في الظلام.

لقد كان نزراقيم في تريون، وكان الجزء الثاني من معركته قد بدأ.

*****

قررت ناثيس، الخادمة الشخصية لفوري أكرانوثيز كورانيس، وحاكمة العناكب من الدرجة الثالثة، أخيرًا الوصول إلى سيدها الذي إمتنعت عن متابعة كل تطورات العالم الخارجي طوال الأسبوع الماضي.

على الرغم من أنها كانت تكره فكرة تشتيت انتباهه عن تقدمه، إلا أنها كانت تعلم أنها قد تأخرت بما فيه الكفاية بالفعل، وإذا كان يعلم أنها هي التي منعته من الحصول على سعره… حسنًا، كان هناك سبب لتسميته فيوري.[1]

تسلّقت ببطء الجبل الوحيد في أروث، عاصمة الإمبراطورية. كان جبلًا بلا اسم، يكتنفه الضباب تاريخه، لكنه كان معروفًا بأنه أحد أهم المواقع في الإمبراطورية، إذ كان على قمته أعظم مصدر لحقل الهالة – وهو عنصر أساسي للعبور إلى الدائرة الثالثة.

كان ارتفاع الجبل خمسين ألف ميل، ولم يكن يُدرك ارتفاعه الحقيقي إلا عند الوقوف عليه، أما من الخارج فكان بالكاد يتجاوز ارتفاع تلة ألف قدم، تقع بجوار القصر الملكي لبلاط براميان. لم تتمكن ناثيس من عبور الأمن اللامتناهي المحيط بالجبل إلا بفضل مكانتها والشخص الذي كانت تخدمه.

للوصول إلى قمة هذا الجبل الشامخ، كان الأمر مسألة إرادة لا جهد، والخطوات القليلة التي خطتها حملتها آلاف الأميال إلى الأعلى. كان الجبل مصدر الدفاع الأعظم لنفسه، فكل من لا يعرف موقعه المركزي سيُترك يهيم فيه حتى تجف عظامه تحت أشعة الشمس، لأن الجبل سيمتص حيوية الضائعين حتى لا يبقى منهم شيء.

كانت تعرف موقع حقل الهالة، واحتفظت بتلك الصورة في ذهنها وهي تمشي على الجبل، وكانت التضاريس خلفها تتغير مع كل خطوة حتى أصبحت عالية جدًا لدرجة أنها بدأت ترى قسمًا كاملاً من تريون، ومن هذا الارتفاع كان الأمر خلابًا.

لم تستطع تحديد السبب، لكن هذا الكوكب كان مميزًا، وقد سارت على كواكب رئيسية أخرى، لكن شيئًا ما في تريون لا يزال يُثير انبهارها. ربما كان ذلك بفضل أفراد استثنائيين معينين أنجبهم. شخصٌ غامضٌ مثل الملك السامي، قادرٌ على خلق مسار قوةٍ قوي، كان استثنائيًا في الكون، بينما بعض القوى الكبرى في الكواكب العليا لم تكن قادرةً حتى على مثل هذه المآثر!

عندما وصلت إلى قمة الجبل، توقفت أعجبت بالمنظر. غطى ضباب ملون كأقواس قزح قمة الجبل المسطحة كلوح. مهما كانت الهالة هنا، فقد كانت شاسعة لدرجة أنها كانت مرئية، وشكلت أنهارًا.

كانت قمة الجبل بحجم كوكب صغير يمتد على مساحة تزيد عن عشرين ألف ميل، وبما أنها كانت مسطحة تمامًا، فقد قدمت منظرًا جميلًا يفوق الخيال.

كان المنظر المذهل والكمية المستحيلة من الهالة قد تذهلت كل المهيمنين الآخرين، وكان من الممكن خوض معارك من أجل رشفة صغيرة من هذه الهالة، ومع ذلك كانت هناك محيطات من الهالة تجلس هنا، ولكن بالنسبة لأم عنكبوتية مثل ناثيس، كانت هذه الأشياء عديمة الفائدة تمامًا بالنسبة لها.

انتقل بصرها بسرعة إلى الشكل الوحيد الجالس في منتصف الجبل بالضبط، كان مغطى بتسعة ألسنة لهب ملونة اتخذت أشكالاً مختلفة، ومع كل خطوة اتخذتها كانت تقترب منه هذه المرة بقوتها الخاصة، ومع ذلك عندما اقتربت ناثيس منه، كان عليها أن تبطئ لأن الحرارة المنبعثة من جسده كانت مثل حرارة الشمس.

رأت الحيوانات على شكل اللهب والتي يجب أن تكون بالفعل مخلوقات روحية مكتملة، بناءً على ضوء الذكاء في عيونهم، التي تحدق بها بشراسة، كان كل منهم في الدائرة الثالثة!

انفتحت عينا فيوري فجأة وبإشارة غير مبالية من يده، طرد المخلوقات أمامه.

لا! لم تطرد، رأت بإشارة من يده، أنه صاغ ونسج كل تلك الأرواح، وبها صنع ملابسه، وبطريقة ما حافظ على حياة الكائنات الروحية وهو ينسج جوهرها معًا، وهو عمل شعرت ناثيس أنه لا يمكن أن يُنجزه إلا سامي، وعندما انتهى من صنع ملابسه من الأرواح الحية، أشرق أكثر من نجم.

الترجمة : [كوكبة الموقر الأمير المجنون]

———

[ 1] : فيوري تعني الغضب