السجل البدائي - الفصل 257
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 257: ظل إيفا
شعر فالين بقشعريرة لا شعورية تسري في عموده الفقري وهو يبحث عن الجثث، متوسلاً إلى البدائي أن يكون كل هذا مجرد كابوس. ابتعدت عيناه المتسائلتان عن الفتاة ومسحتا المكان بنظرات سريعة. لم يحتج إلى تفحص القاعة طويلاً قبل أن يبدأ برؤيتها…
بينما كانت الفتاة تغني وترقص، كان يسمع همهمة خفيفة في مؤخرة رأسه، تجاهلها بسهولة. بدأ يوجه نفسه، مستعينًا بخبرته الواسعة لمقاومة المؤثرات العقلية الخارجية.
ارتجف من شعورٍ كأن أظافرًا تخدش عموده الفقري. لاحظ فالين الفتاة تنظر إليه، وتشير له بالاقتراب. كشّر عن أسنانه غاضبًا، رافضًا الوقوع في فخّ التعويذة الشريرة التي تُلقيها.
لعلّها أدركت أن خطتها لم تُفلح معه، فأطلقت حركة غريبة أخرى كأنها تريد الطيران. من نهر الدماء داخل الردهة، بدأت الجثث تنهض – أطفال، نساء، ورجال. عبيد، حراس، أطفاله، وزوجاته: آلاف الناس نهضوا من نهر الدماء. فتحوا أفواههم وبدأوا بالغناء في انسجام.
كان منظر جثث زوجاته وأطفاله وآخرين لا يُحصى، بعيون مفتوحة نازفة وجروح طويلة على أعناقهم وصدورهم، أمرًا مُرهقًا. ورغم خلو أجسادهم من الدماء بشكلٍ غامض، باستثناء عيونهم وأعناقهم وصدورهم النازفة، إلا أن ذلك لم يُسكت أصواتهم.
ارتفعت أصواتهم، كجوقة تخرج من أعمق نقطة في كابوس، في تصاعد لا نهاية له. ازداد الهمهمة الخفيفة التي سمعها في مؤخرة رأسه، ومع ذلك كان لا يزال يسمع كل نغمة تُغنى.
عندما دخلت الأغنية إلى مسامعه، كانت تجربة لا مثيل لها – جوقة من آلاف الأصوات امتزجت في انسجام. وجد نفسه يبكي، عالمًا أنه لن يسمع شيئًا بهذا الجمال في حياته مرة أخرى. شعر بالخسارة، مدركًا أنه لم يسمع سوى جزء ضئيل من تلك الأغنية التي كان من المفترض أن تغنيها جوقة لا يقل عددها عن مليار شخص على مسرح الكون الشاسع.
قاوم فالين تأثير الأصوات بكل قوته وهو يئن ويصرخ ويهز رأسه. فتح عينيه، فوجد نفسه بجانب جثة الفتاة الهامدة، التي تأكد الآن أنها إحدى بناته الكثيرات. بدت عيناها النابضتان بالحياة باهتتين، ونظرت إليه عينها الوحيدة على جبينها نظرة عميقة، كما لو كانت تقيس فريسة.
ومن حوله، أصبحت جثث الموتى وأصواتهم صامتة، وساد سلام الموت.
بدأت ترقص حول جسده ببطء وغرابة، إلا أن حركتها كانت خاطئة – كما لو كان الجسد دميةً تتحكم بها يدٌ لا مبالية. تذبذبت أطرافها، والتوى جسدها في أوضاع ملتوية، مما جعل عظامها تتكسر بأصواتٍ تُقشعر لها الأبدان. رأى يده تبدأ بفك درعه؛ أراد مقاومة الجذب، لكن آلاف الموتى أمامه بدوا وكأنهم يحثونه بأيدٍ خفية. وبينما كان يُكافح، رأى رؤوس الجثث من حوله تنفجر.
بدأت قطعة تلو الأخرى من درعه الثمين تتساقط في نهر الدماء. قاوم الجذب، لكنه ربما لم يكن يقتل الحشد بالسرعة الكافية. ثم خُفِّضَ مجال قوته.
ارتجفت عينا فالين من الرعب عندما بدأ النصل المعلق في التحرك نحو حلقه.
“لا… لا… لن أدعك!” هدر فالين، وأطلق العنان لأرضه، فصفّى ذهنه للحظة. كان ذلك كافيًا لاستدعاء تجسده، نصل مكسور، ففجره، ثم التهم كل شيء باللون الأبيض.
بعد خروجه من بين الأنقاض، تركه موت تجسده ضعيفًا. وبصفته مهيمنا من الدائرة الثانية، سيتمكن من استعادة تجسده المفقود في غضون بضعة عقود.
مهما كان ما حدث هنا فقد انتهى الآن. مزّق الانفجار قصر عائلة بورياس إربًا، ونشر البرق والصقيع في جزء كبير من المدينة، مما أسفر على الأرجح عن مقتل عشرات الآلاف. رأى فالين أنقاض القصر المشتعلة تتطاير وتتناثر في جزء كبير من المدينة.
كان انفجار تجسده أشبه ببركانٍ ثائر من البرق والجليد. نظر حوله في ذهول، لا يزال يحاول استيعاب التجربة التي عاشها للتو، والتي تشبه حلمًا محمومًا.
وجّه أنظاره نحو الثكنات، حيث سيجد الأمان حتماً ويبدأ بكشف ما حدث. اندفع نحوها بأقصى سرعة ممكنة، متجاهلاً الصراخات المؤلمة التي سمعها قادمة من أنحاء القصر وفي أرجاء المدينة. ركض فالين بورياس حفاظاً على حياته وسلامته.
رغم أنه فقد خاتمه المكاني، المليء بالثروات، في الحريق الهائل، إلا أنه لم يكترث. كانت حياته أهم.
ومع ذلك، حتى الآن، لم يفهم لماذا شعر بخسارة حارقة داخل قلبه، كما لو كان ينبغي عليه أن يستسلم ويصبح واحدًا مع تلك الأغنية.
هزته هذه الفكرة في الصميم. حتى مع رغبته في الحياة، كان يتوق إلى أن يكون جزءًا من تلك الأغنية.
كان فالين بورياس ينحدر ببطء إلى الجنون.
داخل القصر المشتعل، كانت جمجمة فتاة صغيرة مكسورة ومحترقة. كانت الأقرب إلى انفجار فالين، ومن المدهش أنه لم يبقَ منها أي جزء. من فم الجمجمة المكسورة المفتوح، خرجت يدٌ سليمة. وكأن الجمجمة تحتوي على مساحة شاسعة، خرجت منها يدٌ أخرى. ببطء، انسل جسد دورا العاري من الجمجمة. في يدها كان خاتم فالين المكاني.
من بين جميع قدرات النورانيين، اختارت دورا التركيز على قدرتها على نسج التعاويذ. لكن القوة التي مارستها هنا كانت تفوق طاقاتها. تدفقت قوة المنشئ عبر عينيها وفمها. وكانت التعويذة الهائلة التي غطت القصر بأكمله نتيجة لذلك. لم تكن سوى وعاء لتلك الإرادة. ركعت على الأنقاض ورأسها متجهًا نحو الأرض، وجسدها يرتجف من شدة الإعجاب. ظهر ظل إيفا خلفها وبدأ بكسر الخاتم المكاني، وانبعث الظلام من أطراف أصابعها.
الترجمة : [كوكبة الموقر الأمير المجنون]