السجل البدائي - الفصل 235

الفصل 235: نِزْرَاقِيم

لم تكن لنِزراقيم إلا مهنة واحدة منذ ولادته، وهي دفن الموتى.

فعل أبوه الشيء نفسه، ووالد أبيه، وآباؤهم من قبلهم. كان ينحدر من سلالة عريقة من متعهدي الدفن المقدسين، والآن ستنتهي مهنته معه، لأنه كان الأخير.

لقد رُزق بولدين، لكن نيزراكيم فقد زوجته وابنه الأصغر على يد حشد الوحوش، ولم يرغب ابنه الأكبر في أي شيء آخر غير أن يصبح مهيمنًا، وأن يمتلك السلطة مثل أولئك الذين غزوا كوكبهم وجعلوهم عبيدًا، وهو حلم أحمق، لكنه حلم على أي حال، والآن كان يدفن ابنه.

لقد حمل جسده إلى قمة الجبل، وكان الصعود طويلاً وبطيئًا، وكان عجوزًا، ولن يسمح أبدًا لارتفاع الجبل أن يسخر من إيمانه.

أدى صلاته على رأس الجبل، وهو يرتجف رغم العرق الذي غطى جسده.

استخدم نِزراقيم مطرقته وإزميله لشق طريقه عبر الصخور لدفن ابنه. كانت هذه هي الطريقة التي يتبعها الحانوتيون المقدسون لدفن موتاهم على قمة الجبل، وكانت المكافأة الوحيدة التي منحتهم إياها السَّامِيّن . ولكن من سيفعل ذلك له بعد هلاكه؟ وهكذا حفر قبرين، جنبًا إلى جنب مع القبر الأصغر الذي حفره قبل أسبوع.

لشخصٍ مُلِمٍّ بالموتى، قد يظنّ المرء أن أداء مهمته سيكون سهلاً، وقد كان كذلك، إذ كانت يداه ثابتتين وهو يُقدّم قرابينه ويُكرّس أرواحه لإيروهيم. لكن ما أزعجه هو إهدار كل هذا.

لم يُؤدّوا غرضهم لإيروهيم قبل أن يفارقوا الحياة. كانت حياتهم بلا معنى. أنجبت له زوجته أطفالًا ضعفاء، هربوا من واجباتهم، وكان من أشدّ عاره أن يموت دون أن يُورث حرفته للجيل التالي. أيّ دعوة أسمى من خدمة السامي؟

كان نِزْرَاقِيم في السادسة والتسعين من عمره، وقد أدّى واجبه تجاه إيروهيم لمدة اثنين وتسعين عامًا. كان نحيفًا، ذو عضلاتٍ نحيلةٍ تُشبه أسلاك الكابلات، وكان قويًا بشكلٍ خادعٍ بالنسبة لعمره.

وضع نزراقيم آخر حجر على قبر ابنه، ودخل قبره وركع فيه وتنهد. كانت السماء حمراء كالدم، وشعر بالندم لأنه لم يستطع القيام بالعمل الذي فشل فيه أبناؤه بدلاً منهم، لكنه كان عجوزًا وضعيفًا جدًا، فكيف له أن يخدم اكثر من ذلك؟ شعر بالضياع، لكن ذلك كان قبل أن يرى الوهج الذهبي، الذي ارتفع إلى السماء وأغرق العالم بكل مجده، وفي ذلك النور رأى جوابه، فخرّ نزراقيم وسجد.

لقد رسّخت كلمات رسوله السماوي الإيمان في ذهنه،

“يا نِزراقيم، لقد بذلتَ غايتك على أكملِ وجه، لكن عملك لم ينتهِ بعد. تُسرقُ الأرةاح المُستحقةُ للمنشئ، وتُقضى حياتها بلا هدف. تُهدرُ حياةُ البشرِ في كلِّ شيءٍ إلا في خدمةِ جلالِهِ المجيد. لقد قضيتَ حياتكَ في الخدمة. والآن تبدأ مهمتكَ الحقيقية. يا نِزراقيم، هل تقبلُ نعمةَ المنشئ؟”

وبينما كانت الدموع تملأ عينيه، استقبل نيزراقيم نور المنشئ، والرجل الذي خرج من بين النيران لم يعد عجوزًا بل وُلد من جديد، وأشرقت عيناه بهدف مجيد، وانطلق لتنفيذ إرادة المنشئ.

*****

كانت كلمات روان معلقة في الفراغ، يحملها الأثير حتى يمكن سماع كلماته في جميع أنحاء القمر، وكان رد دوريان عبارة عن خط أحمر أطلق عليه بسرعة كبيرة لدرجة أنه كان بمثابة انتقال فوري تقريبًا، وخلف هذا الخط الأحمر كانت هناك ثلاثة رماح ساطعة من اللهب انطلقت من عيون دوريان ومن فجوة في جبهته تشبه العين الثالثة.

كان دوريان يُقدم كل ما في وسعه في البداية، لم يكن يعرف طريقة نقله إلى القمر، ولا من يقف أمامه في تحدٍّ، لكنه سيرد بقوة قاتلة. بدأ بالفعل بتجهيز أرضه، واستدعى تجسده، وظهرت فوقه شجرة مايو. لم يكن يكترث بمن يقف أمامه، فكان سيسحقه ويُشعره باليأس، سيحطم معنوياته ويتلذذ بألمه.

لكن كان عليه أن يعيد النظر في تصرفه عندما انتزع الرجل السابق نصله ن الهواء، ففجرت قوة ذلك الفعل غير المفهوم حفرة تحت قدميه، واستخدمها لصد هبات اللهب بحركة واحدة سلسة. أمسك بالنصل الذي كان يقاومه لبرهة كما لو كان يُعجب به، ثم رمى به جانبًا.

ضحك روان، “أنا لست معجبًا يا دوريان، لقد أحضرتك إلى أكثر المسارح تفصيلاً، وبالنسبة لرقصة الموت الخاصة بك، فأنت متيبس بعض الشيء.”

عبس دوريان، “من أنت؟”

“سأخبرك بشيء.” قال روان، “إذا جعلتني أنزف، فسأخبرك باسمي.”

راقبت عينا دوريان النصل الذي ألقاه روان جانبًا، فأدار روان رأسه ونظر إليه قائلًا: “لا تضيع وقتك في محاولة الحصول على هذا السلاح، حتى لو كان سيقتلك، بل ابحث عن خيار آخر، لأنه لن يقتلني. لا تقلق، لن أستخدمه ضدك، ولن أجعل موتك سهلًا.”

“أهذا صحيح؟ تتحدث وكأنك تعرفني.” هدر دوريان، “أنت لا تعرف شيئًا.”

“أنا أعرف ما يكفي.” قال روان.

بدأت المنطقة المحيطة بروان تتلألأ، وظهر أربعة أشباه بجانبه. اكتشف روان أن هجومه المركب يتناسب مع عدد أعمدة الوعي التي يمتلكها. فبدلاً من اثنين من التجسيدات، أصبح لديه الآن أربعة.

تراجع دوريان خطوة إلى الوراء وهو يقيم التهديد الجديد أمامه، وإلى دهشته، بالكاد استطاع التمييز بين كل هذه التهديدات، لكنه استطاع اكتشاف الاختلافات بدرجة معينة من الدقة، وبالنسبة لشخص مثله، كان ذلك كافياً.

هاجم روان، واستخدم جميع أشباهه الإندفاع وظهروا بجانب دوريان، كلٌّ منهم يحمل سيوفًا عظيمة، وهاجموه جميعًا في آنٍ واحد. انفجرت الأرض تحته مع بدء المعركة.

الترجمة : [كوكبة الموقر الأمير المجنون ]

——

نزراقيم من اكثر الشخصيات الساطية في الرواية