السجل البدائي - الفصل 284

الفصل 284: معركة الذروة

“ثلاثة ميسيسيبي…”

في اللحظة التي خطا فيها روان عبر بوابة المملكة السامية، ظهرت الأنسة والحسد في كلتا يديه اليمنى واليسرى، وخصص أربعين بالمائة من الأثير لبئر المعرفة وتباطأت الحقيقة كما لو انها تزحف، وأصبح الهواء مثل المعدن.

كانت كل حركة لجسده تصدر صوت طحن معدني مزعج، ولم يكن حتى يستطيع سماعها بعد، لأن الصوت كان بطيئًا للغاية.

ومع ذلك، كان بإمكانه “رؤية” الأصوات التي كان جسده يصدرها مع كل خطوة، وكان بإمكانه تذوق الواقع وهو يتكسر تحت خطواته بينما يتوسع إحساسه الإمبيرياني حتى يمتد لأميال حوله.

لقد ترك وراءه آثارًا حمراء، حيث احترقت الجزيئات الموجودة في الهواء بسبب الاحتكاك الشديد الذي كان يولده لأنه كان يتحرك من خلالها بسرعة كبيرة.

مع خطوته الثانية، قام بتنشيط الثوران بنسبة أربعين في المائة، وبدأت الشقوق تتشكل ببطء في جميع أنحاء جسده، ولكن في هذه الحالة الجديدة من الواقع التي تباطأت إلى حد الزحف في إدراكه، فإن الشقوق ستستغرق وقتًا طويلاً لتتشكل، ولكن الألم الذي كان يعاني منه كان مذهلاً.

كان الأمر أشبه بوضع عودي ثقاب مشتعلين في عينيك، وتركهما هناك ليحرقاه ببطء، فيضاعفان ذلك الألم ألف مرة، ثم يطيلانه كما لو أنه سيستمر إلى الأبد. لكن هذا الألم لم يفعل سوى أن يزيد من بريق العزيمة في عينيه.

لقد تحدث، “هل تبحث عني؟” وراقب بذهول شديد بينما كانت كلماته تتبعه، تتحرك أسرع من الصوت لأنها كانت مدعومة بقوته الإمبراطورية ولكنها لا تزال أبطأ من حركة جسده.

بخطوته الثالثة، قام بتنشيط الإسطرلاب واختفى مع وميض ساطع من الضوء الأبيض، تاركًا كلماته خلفه تطارده بشراسة.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها روان الإسطرلاب للتنقل، ولكن بسبب سرعته المذهلة، فقد استخدمه فقط لعبور فراغ الفضاء وفي ذلك الوقت كان ذلك فوريًا.

الآن سيفعل شيئًا مشابهًا، لكن هذه المرة سيستخدمه كأسلوب هجوم. كان روان ماهرا بإستخدام تقنية “الاندفاع” من جانب المحارب الهائج، مما جعله يتحرك بسرعة كبيرة لدرجة أنه بدا في نطاق قصير أشبه بالانتقال الآني.

لكن ضد شخص مثل فيوري، هذا لن ينجح، لأنه بغض النظر عن مدى سرعة تحركه، فإن المسار عادة ما يكون خطيًا، ويترك آثارًا يمكن لرجل يتمتع بروح مثيرة للإعجاب مثل فيوري أن يراها ساطعة مثل اللهب المشتعل.

ولاكن لم يترك الإسطرلاب أي أثر أو علامة على مروره في الفضاء، وكان روان قادرًا على اختراق الأرض والجبال به ونقل الأشياء والأشخاص دون أن يترك أي أثر خلفه.

لقد رأى عيون فيوري تتسع من المفاجأة عندما اكتشف روان عدد لا يحصى من الكائنات الروحية التي صنعها لتشبه ملابسه بجانبه، وصلت كلماته إلى آذان فيوري قبل أن يدفن روان الحسد في صدره، مما دفعه من الهواء إلى الاصطدام بالأرض.

استخدم روان الإسطرلاب لمتابعة هبوطه، وقبل أن يصل فيوري إلى الأرض، كان قد هاجمه على صدره خمسًا وثلاثين مرة. مع كل ضربة، كان جسد فيوري يهبط أسرع، وقبل أن يتجاوز المائة متر، كان جسده الساقط يتحرك بسرعة تتجاوز خمسة ماخ.

كان رأس الحسد متوهجًا باللون الأحمر الساخن، حيث حدث هذا الهجوم فقط في أقل من جزء من الثانية، وحتى مع دستور روان، بدأ جسده في الانهيار.

مع مقدار القوة التي أطلقها روان على فيوري، فإن الأرض التي كانت على وشك الالتقاء بهم لم تكن عائقًا على الإطلاق، حيث كان من الممكن أن تكون مصنوعة من الهواء، وقد اخترقاها حتى اصطدما كلاهما بحاجز الفضاء على حافة المملكة السامية.

“أربعة ميسيسيبي…” كل ما حدث من عبور روان لبوابة المملكة السامية حتى هجومه على فيوري، استغرق ثانية واحدة فقط.

مرت لحظات قليلة، وبدا أن التأثيرات الكاملة لأفعال روان الهجومية تحدث على الفور، حيث انفجر كل شيء.

كان صوت روان وهو يطلق كل تلك الضربة على فيوري إلى جانب مقدار القوة التي وضعها فيها قادرًا الآن على إظهار نفسه، واجتاح المملكة السامية وخرج إلى الكوكب بسرعة تتجاوز معدل انتقال الصوت المعروف نفسه.

حتى الناس الذين تجمعوا في قافلة في قارة أخرى اضطروا إلى سد آذانهم والصراخ من الألم عندما وصلتهم الأصوات المروعة. كانت هذه معركة بين كائنات شبيهة بالسامين، وكانت آثارها بعيدة المدى وطويلة الأمد.

كان الدمار الذي لحق بالمملكة السامية جراء تلك الضربة ضئيلاً بشكل مدهش، باستثناء النفق الطويل الذي نشأ بعد اختفاء روان وفيوري في الأرض. لم يكن هناك الكثير من الدمار، وذلك لأن روان بدأ يستوعب أساليب إروهيم التي استخدمها في قتاله. لا يزال أمامه الكثير ليتعلمه، لكنه كان يتحسن فيه.

وقف روان على صدر فيوري ورفع الحسد لجولة أخرى من الضربات، لكن الهواء تجمد حوله كما لو كان مصنوعًا من شراب، صرخ بئر المعرفة محذرًا ثم تحول العالم إلى ظل من الأبيض والبرتقالي، ثم بدأ الألم مثل الموجة، أبلغه بئر المعرفة أن فيوري فجر للتو ثلاثة كائنات روحية من الدائرة الثالثة حول جسده.

لقد تم إنشاء عمود من اللهب حوله من هذا الانفجار، وكان ساخنًا جدًا، حتى أنه بدأ في إذابة حواجز الفضاء حول المملكة السامية.

هدر روان، “لقد سئمت من هذه النيران اللعينة.”

لقد تبخر جلده، ولكن بالمقارنة مع النيران النهائية التي استخدمها إيروهيم… لم يكن هذا شيئا.

نهض فيوري ونفض الغبار عن كتفيه، وكانت ملابسه لا تزال نظيفة، مظر إلى صدره وعبس. كان هناك جرح طويل يمزق ردائه، وشاهد سبع طبقات من الكائنات الروحية في الدائرة الثالثة تتلاشى في العدم.

أومأ فيوري برأسه إلى نفسه، “هذا سخيف، كيف …”

خرج فأس من عمود اللهب أمامه، وأعاد دفن نفسه في صدره، مما أدى إلى ارتطامه مرة أخرى بحاجز المملكة السامية.

الترجمة : [كوكبة الموقر الأمير المجنون]