السجل البدائي - الفصل 214

الفصل 214: دموعي الأخيرة (3)

غطى المطر الدموي أجساد جميع المهيمنين باستثناء ميلوزين وليوسوس الذين كانوا مغطين بحقل قوة غير مرئي.

فجأةً، دوّى صوت اصطدامٍ هائل، كصوت انكسار غابةٍ ضخمةٍ إلى نصفين، ومع حدوثه، ازدادت قوة الشفط من الفوهات الست المتوسعة بشكلٍ كبير. انسحب جميع مُهيمني حالة الصدع فجأةً من السفينة الطائرة، إذ كانوا أضعف من أن يتجاهلوا قوة الجذب القادمة من الفوهات المتوسعة، ولم يعد بالإمكان سماع صراخهم وسط الضجيج المتزايد، إذ بدا وكأن ستة ثقوب سوداء قد وُلدت تحت الأرض.

مع تزايد الاضطرابات تحتهم، تحرك ليوسوس بسرعة، وأظهر أراضيه حول سفينتهم الطائرة وغطتها باللون الأخضر، وبدأ في القتال ضد قوة الشفط من أجل الهروب من دائرة الدمار المتزايدة.

خارج مجال القوة الخضراء تحول العالم إلى مشهد من النار والخراب حيث تم تمزيق بنية العالم إلى قطع وكان هناك عواء عالي كما لو كان الكوكب يصرخ من الألم.

بدأ الضغط الناتج عن دفع أنفسهم عبر الدمار يظهر على ليوسوس لكنه شد على أسنانه واستمر، كانت عيناه واسعتين ومليئتين بعدم التصديق، لم يكن من المفترض أن يحدث حدث مثل هذا داخل كوكب تسيطر عليه الإمبراطورية، هل هاجم مخلوق من الدائرة الثالثة جاركار؟

تحول العالم الخارجي إلى عالم من النار والظلام، حيث كان هناك ظلام عميق تحتهم ينتشر إلى ما هو أبعد من رؤاهم وإدراكهم، وكانت دوامة متزايدة مليئة بالحطام والنار والدم يتم امتصاصها في ذلك الظلام وبدأ ليوسوس في الصراخ وهو يرسل كل ما لديه بالكاد للهروب من جاذبية الفراغ تحتهم.

تجمدت ميلوزين في رعب، إذ أدركت أن الظلام الذي تراه هو عالم يتلاشى أمام أعينهم، وأن داخل ذلك الفراغ المتسع كان الوجود الذي شعرت به في ساحة المعركة ذلك اليوم. لم يفارقها الرعب، ورغم أن روحها كانت تتعافى، إلا أن الوجود الجديد كان يزداد قوة، وما كان يلف روحها المتعافية قد تمزق واتسع، وبدأت عيناها وأنفها وأذناها تنزف.

لم تتمكن من التحرك، ولا حتى التنفس، حيث كانت عيناها واسعتين كعين طائر تجمد من نظرة الثعبان، فقط صرخة ليوسوس المذعورة نادتها من أعماق الخوف، لكنها كانت لا تزال متجمدة ولم تتمكن حتى من الصراخ.

نادى ليوسوس بصوتٍ خافتٍ كأنه يبكي: “هناك خطبٌ ما. هذه الشعلة، الدم… إنها… باسم باخوس المقدس، هذه نار الخراب! هذا العالم على وشك الانتهاء!”

تصرف ليوسوس بسرعة، وشدد أراضيه حول جسده وميلوزين، وتخلص من بقية المرتزقة حتى الموت، حيث انقطعت صراخهم في اللحظة التي غادروا فيها نطاق اراضيه.بدأ في حرق تجسده، مستخدمًا إياه كوقود حتى يتمكن من إشعال فتيل، واشتعلت أراضيه، وقد أخرج هذا الفعل ميلوزين من ذهولها، وهمس في أذنيها، “أنا أحبك. سعادتي”.

لقد ضاعت صراخاتها عندما التفت أراضيه حول جسدها وأرسلتها تنطلق عبر الفضاء قبل تمزيق الواجهة الهشة للواقع والانزلاق إلى بوابة خضراء أغلقت فجأة.

سقط ليوسوس في الظلام، وكان آخر ما رآه هو فم ضخم من الظلام وفوقه عيون متوهجة باللامبالاة التي لا نهاية لها.

“السماء تساعدنا جميعا.”

——

كان أمر منشئه لسوريال قاطعًا: “كن عينيّ”. ورغم أن وطأة هذا الأمر كانت تُثقل كاهله، إذ لم يكن يريد شيئًا سوى محاربة أعداء منشئه، إلا أنه قام بواجبه.

ثم دخل أمر جديد إلى ذهن سوريال وأقر به.

اتسعت أجنحة البلاتين على مصراعيها، ونظر نحو الظلام الذي ينتشر ببطء على سطح هذا العالم، وبدأ يطير نحوه.

———

“لماذا لا تموت ببساطة؟” كان وجه ريكو ملتويًا بتجهم عميق، بينما ارتسمت على ملامحه علامات الألم والاشمئزاز. لقد ضخ في جسد روان طاقة كافية لتزويد الكوكب بأكمله بالطاقة، ولم ييأس.

سوف يكون روان معجبًا إذا لم يكن وجه دوريان مبتسمًا خلف ريكو، ويبدو أن ريكو كان أيضًا على علم به لأنه قال.

“لا تتحرك أيها الوغد، سأقتلك تاليًا. ستدفعان ثمن ما فعلتماه بعائلتي، وستموتان صراخًا على وجه الخصوص!”

ثم كشف ريكو عن أسلحته الكبيرة.

انبثقت من صدره فتحة فضية، كموجة في الفضاء، لكن البرق انبعث منها كتدفق الماء. كانت هذه أول مرة يرى فيها روان بوابةً لأراضي قريبة منه إلى هذا الحد. كان قد رأى مشهدًا سابقًا في رؤاه داخل النيكسوس، لكنه لم يكن يدرك حينها أن ما ينظر إليه هو أراضي.

بدأ ريكو في توجيه الطاقة من أراضيه، وبينما كانت يداه لا تزالان على روان، أضاءت حواسه الإمبراطورية، وانزلق إدراك روان إلى أراضي ريكو، وفسر بعض أفكاره حول ما قد تحمله له العوالم التالية.

رأى أرضًا شاسعة، بحجم القمر تقريبًا، لكن دون أي انحناء. على حافة الأرض جدارٌ ضخمٌ من الجليد والبرق، ورأى أنه على الرغم من بطء التمدد، إلا أن الأرض لا تزال تتمدد وتضغط على ذلك الجدار.

عاد إدراكه إلى الأرض نفسها، وكان عليها أعمدة معدنية عالية لدرجة أنه لم يستطع رؤية أطرافها، حيث اختفت في سواد السماء.

انطلقت شرارة من أحد الأعمدة، وبينما سقطت، اشتعلت، فاندفعت مئات الصواعق نحوها، ثم ألف، ثم ملايين الصواعق، واشتعل العالم كله بالأعمدة بفعل الصواعق التي تجوبه، وتجمعت كل تلك القوة في فتحة صدر ريكو الذي بصق على روان، فتراجع خطوة إلى الوراء. “مت أيها الوحش!”

لم يتمكن روان من التحرك بسبب الجهد الكهربائي الذي يجري في جسده، وابتسم فجأة، “من المضحك أن أشعر بما كان يشعر به دوريان خلال الساعتين الماضيتين”.

ثم استهلكه عمود من البرق كان سميكًا جدًا لدرجة أنه كان مثل السائل، واستمر جلده لجزء من الثانية، وعضلاته وعظامه لبضع ثوانٍ، ثم تم سكب البرق داخل قصره الجليدي.

كان الدمار هائلاً وشاملاً، بالكاد كان مجال القوة قادراً على إيقافه قبل أن يحول البرق قصره الجليدي إلى لا شيء، بدأ فضاؤه العقلي في التصدع والانهيار ضد نفسه حيث بدأ الفراغ المتزايد في ابتلاع كل ما كان عليه.

لقد ظلت سيدة الظل قائمة لأطول فترة، وقفت في الفراغ المتزايد حتى بدأت أجزاء من جسدها تتحطم وتختفي، وخلقت تشكيلات تعويذة غامضة بأعداد كبيرة أحرقت في الفراغ، لقد أشرقت بشكل ساطع تقريبًا مثل نجم أرجواني، لفترة بدت أطول من الممكن، لقد صمدت ضد طوفان البرق ودافعت عن عرشه لأطول فترة ممكنة قبل أن تنهار، ويتبعها عرشه.

كانت صرخاتها مرعبة، وشعر روان بغضبها الشديد، حتى كاد يفقد وعيه من هول الصدمة. لم يسبق له أن شعر بمثل هذا الشعور.

أدرك روان فجأة أن سبب خسارته أمام البرق هو افتقاره إلى الأثير، فقد كان يعمل على تشغيل جميع قدراته وتشكيلاته باستخدام الأثير ومع تدمير مساحته العقلية وموت جميع نورانيي تشار، لم يعد لديها أي منه لإستخدامه.

عندما تلاشى آخر ما تبقى من عرشه في الفراغ، مات روان.

الترجمة : [كوكبة الموقر الأمير المجنون]