اصول الدم - الفصل 1
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1: كيف بدأ كل شيء
جلس شاب أشقر وحيدًا في القطار، معزولًا عن الحشد القليل في هدوء الليل. هاتفه، المتصل بزوج من السماعات السلكية، يرتاح في يده. جلس منحنيًا، ذراعاه متدليتان بجانبيه، ونظره مثبت على الأرض. كان يهمس بلحن الموسيقى برقة، وساقه اليمنى تتحرك مع الإيقاع. تساقط شعره على عينيه وهو يومئ برأسه مع الإيقاع، غارقًا في اللحن. ثم، بفجائية وحماس، وقف بتعابير شرسة، وحركات أكثر حيوية.اذا كان العالم ينتهي—أريد أن أكون…” غنى بصوت مرتفع بينما تحرك جسده مع الأغنية. ذراعاه، المختبئتان تحت القماش الأبيض الفضفاض لقميصه، تمايلتا مع الإيقاع. ساقاه، المرتديتان جينزًا أزرقًا باليًا، رقصتا بنفس الشراسة. ترك الموسيقى تأخذه بعيدًا، منغمسًا في الإيقاع، حتى—وبدون سابق إنذار—توقف اللحن. هاتفه انطفى
“اللعنة”، همس إليوت في داخله، ملقياً نظرة حزينة على المشهد الخارجي المظلم والمتغير خارج نافذة القطار. العالم كان يمر بسرعة: لحظة، ضبابية من الأشجار، ولحظة أخرى، مقاعد، طرق، أو لمحات عابرة من ملاعب أطفال فارغة. ولكن في الغالب، منازل—صامتة، لا تتغير. كل شيء يأتي ويذهب، تأمل.
الأصدقاء، العائلة، الممتلكات—لا شيء يدوم إلى الأبد. ولا حتى أنا. ولا حتى هذا العالم. تنفس بعمق، على الرغم من أن ذلك لم يهدئ من روعه. استلقى على عدة مقاعد، آملاً في العثور على بعض الراحة، على الرغم من أن الثقل على صدره بقي. عادت أفكاره إلى الرؤى التي كانت تطارده منذ أشهر.
كانت مختلفة، كل واحدة أكثر غموضًا من السابقة، غالبًا ما تتركه يتأمل معانيها. ولكن الرؤية التي حصلت قبل أسبوع… كانت مختلفة. كانت رؤية شديدة الوضوح، شديدة الكارثية، لدرجة أنها تركته مغمورًا بعرق بارد ومليء بالألم لأيام. عادةً، كانت رؤاه أقل حدة—أشبه بومضات من مآسي يومية: طفل يكسر ذراعه في الملعب، طالب يتعرض للتنمر في الحمام. كان يشعر بالأحاسيس، الألم الخفيف للكسر أو الرشقة الباردة للماء الذي يُسكب على الرأس، ثم، بعد أسبوع، يحدث الحدث تمامًا كما رآه.
ولكن هذه المرة… هذه المرة، رأى العالم يحترق. ملايين يعانون. الأرض نفسها تتهاوى، تلتهمها النيران. كل شيء يتحول إلى فوضى. وإذا كانت رؤاه السابقة قد تحققت جميعها بعد أسبوع، فهذا يعني أن العالم لم يتبق له سوى ساعات. النهاية قادمة. كان يعلم ذلك بيقين كان ينخر في روحه.
مع اقتراب الإرهاق منه، استسلم إليوت أخيرًا للنوم، على الرغم من الاهتزازات المتقطعة للقطار تحته.
ثم ظلام. أعمق من سواد الليل، لدرجة أنه لم يستطع رؤية يده أمام وجهه. فراغ. في لحظة، امتلأ رأسه بصور تلمع بسرعة كبيرة لدرجة لا يمكن استيعابها. نار. كنائس. عيون—واحدة، ثلاث، سبع، إحدى عشرة. دم—أحمر، أزرق، أخضر، برتقالي، أصفر، بنفسجي، بني، أسود، أبيض، ذهبي. رجل أسود الشعر بعيون حمراء بدون بؤبؤ، جلده ممزق ونازف من كل جرح، مثقوب بسيف أسود في صدره. ملائكة. شياطين. سَّامِيّن. امرأة، أيضًا سوداء الشعر، تبحث بيأس. كائنات ضخمة، مقيدة بالسلاسل. المزيد من العيون، فارغة من البؤبؤ. أقنعة. صحاري بنفسجية. جبال سوداء. حقن—لا تعد ولا تحصى. رجل أشقر بعيون حمراء، جلده يتقشر بينما يتدفق سيل من الدم—ذهبي، أحمر، كل الألوان—من عينيه، أذنيه، وفمه. ديدان تزحف على جسده، تلتهمه من الداخل.
صوت يتردد خلال الفوضى، ينادي. صوت المرأة سوداء الشعر، مليء بالأسى. “داميان، لا!” صرخت، صوتها يتقطع بينما تركع بجانب الرجل ذو العيون الذهبية. المطر يتساقط، بارد وقاسي. المشهد مغمور بضوء قمر ذهبي. الرجل أسود الشعر يقف فوق الآخر، ممسكًا بسيفه الأسود بكلتا يديه، النصل مثبت بشكل مستقيم. حولهم، العالم مغمور بوهج أزرق—شمس زرقاء. جماجم متناثرة على الأرض. الناس—القليلون المتبقون—يقاتلون، مغمورين بالدماء. سلاسل تصدر صوتًا. جوع ينخر في حواسه. عبيد… موت… وحوش… كان ذلك أكثر من اللازم. بكثير.
رأس إليوت كان ينبض بقوة بينما انتهت الرؤية، تاركًا إياه يرتجف في عرق بارد. القطار توقف. وجد نفسه ملفوفًا ببطانية، مشوشًا. اندفع الذعر بينما نهض على قدميه، ولكن بمجرد وقوفه، انهارت ساقاه. سقط على الأرض، جمجمته تصطدم بالسطح الصلب. رأسه كان ينبض بعنف، اختل توازنه، أفكاره متناثرة. ممسكًا بعمود قريب لدعم نفسه، دلك إليوت صدغيه، محاولًا يائسًا فهم ما رآه للتو. سَّامِيّن… موت… عبيد… وحوش؟ ما كل هذا بحق؟
حول نظره على النافذة، آملاً في الصفاء. النهار كان قد بزغ بالفعل، السماء زرقاء ناعمة، سحب تطفو ببطء عبر الأفق. القطار كان ساكنًا بشكل مخيف.
ماذا كان يفترض به أن يفعل الآن؟ ينتظر؟ يختبئ؟ ولكن قبل أن يتمكن من التفكير في خطة، صوت مروع حطم الصمت. لم يكن صوت القطار، ولا الريح. كان شيئًا أكثر بشاعة، أشبه بلهاث رطب ومختنق لحلق نصف مقطوع، يحاول التنفس. الصوت استمر، لم يخفت بل أصبح أكثر إلحاحًا، أكثر رعبًا مع كل ثانية.
نبض إليوت تسارع، الذعر يخدش صدره. بشكل غريزي، زحف على بطنه، حركاته غير متزنة، تقريبًا يائسة، مثل جندي في الميدان—أو بشكل أدق، مثل يرقة تزحف إلى بر الأمان. ولكن الأسلوب لم يكن مهمًا. كان عليه أن يتحرك. شيء ما كان خاطئًا. خطيرًا جدًا. الصوت البشع خفت، أصبح أكثر بعدًا، ولكنه بقي على حافة سمعه.
تجاسر وألقى نظرة. يداه كانتا ترتجفان بينما ضغطهما على النافذة، محاولًا تثبيت نفسه. ساقاه كانتا ترتجفان بينما سحب نفسه أقرب. ببطء، بحذر، عيناه اطلت علي المشهد. أشجار. منازل. لا شيء سوى نوافذ مكسورة وسيارات مهجورة. ولا روح واحدة في الأفق.
إذن، هذا يحدث حقًا، فكر إليوت، على الرغم من أن التأكيد زاد من الالم في معدته. نبضه كان يدق في أذنيه بينما حول نظره إلى الجانب الآخر. المزيد من نفس الشيء—منازل، سيارات، أشجار. كلها فارغة. كلها ميتة.
أجبر نفسه على التنفس، استدار مرة أخرى، وضعه أكثر استقرارًا الآن. العرق كان يتساقط ببطء على وجهه، ينزلق من ذقنه بينما حاول تهدئة العاصفة داخل عقله.
—رطم! رطم!
فجأة، شيء ما اصطدم بالقطار خلف إليوت—مرتين. كان مثل شخصية من كابوس زومبي، ولكن أسوأ. الكائن، بشكل غامض يشبه الإنسان، كان يرشح دمًا أحمر ممزوجًا بلون أزرق غريب، وسهام سوداء، بحجم الأقلام، كانت مثبتة في مفاصله. المنظر وحده كان مرعبًا، ولكن الرائحة—حادّة، معدنية، وعفنة—كانت لا تطاق. معدته تقلصت. لماذا لم ألاحظ الشقوق سابقًا؟! الكائن المشوه، أطرافه المغطاة بالدماء تتحرك بعنف، كان يحطم النافذة بعنف. كان فقط مسألة وقت قبل أن يكسرها. كان عليه الهروب. الآن.
اندفع الذعر خلاله. ضرب النافذة المقابلة للكائن بيأس، محاولًا تحطيم الزجاج، ولكنه صمد. كوعه كان ينبض من الجهد. فكر بعقلانية! ركز! عقله كان يتسارع بينما نظر حوله—إلى الأمام، إلى الخلف، يسارًا، يمينًا—لا شيء. لا مخارج. ثم رآها: أداة طوارئ بطرف مدبب. بدون تردد، أمسكها، وألقى بها بكل قوته، وحطم النافذة. غطى عينيه بذراعه لتجنب الشظايا الطائرة، قفز من الفتحة، أسنانه مشدودة بينما اصطدمت قدماه بالأرض بقوة.
فجأة، شيء ما أمسك به. “آه!” صرخ، بشكل غريزي ركل الكائن. “ابتعد عني! ابتعد، أيها الوحش القذر!” صوته كان يتقطع من الخوف. سحقا! هذا الشيء—إنه أسوأ عن قرب! الكائن كان بشعًا بشكل لا يوصف. ديدان، لا تعد ولا تحصى، تنساب من جروحه المفتوحة، تزحف على جلده المتحلل، عبر عظامه المكشوفة. كيف يمكن لشيء مدمر بهذا الشكل أن يتحرك؟
بدأت الكتلة المتلوية من الديدان تتسلق على حذائه، ثم صعودًا إلى ساقيه. “سحقا! آه!” ركل إليوت بعنف، مثل حشرة محاصرة، محاولًا التحرر. “كراغغغغغغغغغ!” الوحش صرخ، يضيق عليه بمزيد من الغضب. “سحقا! سحقا! اللعنة على كل شيء!” صرخاته الجافة ترددت في الهواء الساكن بينما دم الكائن، الآن مزيج من القرمزي والأزرق، غطى ساقيه.
فجأة، شعر بألم حاد في ساقه. جسده تجمد من الصدمة، صوته محبوس في حلقه. لا. لا، لا، لا! هل تعرضت للعض؟! من هذا… الشيء؟! وجهه التوى من الدهشة والغضب. أسنانه صرت، عروقه تنتفخ على جبهته. مع اندفاع الأدرينالين، ركل بقوة أكبر، ذراعيه تخدشان الأرض الخشنة، أظافره تنكسر على الحجارة حتى أصابعه تنزف. “أيها الوحش اللعين! ارجع إلى القبر الذي زحفت منه!”
قبضة الكائن ارتخت. ولكن إليوت لم ينتهِ بعد. مدفوعًا باليأس، ركله مرة أخيرة، فصل معظم رقبته، تاركًا رأسه بالكاد معلقًا بالسهم المثبت في عموده الفقري. يتنفس بصعوبة، نظر إليوت إلى الكائن المشوه الممدد أمامه، جسده الممزق ملتوي في التراب. ابتسامته الواسعة، الموضحة لاسنان، كانت ممتدة بشكل غير طبيعي، الديدان تزحف من خديه المشقوقين. ثم ضحك—صوت مريض، أجوف. الفرح على وجهه كان وحشيًا، غير طبيعي، سخرية بشعة من المشاعر الإنسانية.
لم يعد إليوت يتحمل ذلك. استدار، الغثيان يملأ حلقه. كان عليه الابتعاد—الاختباء، فحص جروحه. نظر إلى ساقه. الدم—دمه، ممزوجًا بدم الوحش—كان يتسرب من العضة. يده أيضًا كانت مجروحة، ملطخة بدم الكائن الأزرق-الأحمر الغريب. هذا لا يمكن أن يحدث. ليس بهذه الطريقة، فكر، قلبه يدق بقوة. إذا كانت نهاية العالم، لماذا لا يكون اصطدام نيزك؟ لماذا… هذا؟
…
دقائق مرت—طويلة، مؤلمة. ترنح إليوت عبر الشوارع، ممسكًا بساقه المصابة. كل خطوة كانت معركة ضد الألم الحارق، ولكنه لم يتوقف. أخيرًا، وجد مأوى، منزل فارغ. الأبواب كانت مقفلة، ولكن بعد بحث محموم، وجد طريقة للدخول. كان هادئًا. هادئًا جدًا. إليوت أغلق الباب خلفه، جسده مغمور بالعرق. رؤيته كانت مشوشه بينما انهار على أريكة بنية مغبرة في غرفة المعيشة. الأثاث البسيط، الذي لم يلمس منذ من يعرف متى، شعر بالراحة، حتى لو كان للحظة فقط.
كان يعلم أنه لم يتبق لديه الكثير من الوقت. كان عليه تقييم جروحه. ساقاه كانتا ترتجفان بينما نظر إلى أسفل. ساقه كانت تحمل علامات عضة عميقة، منتفخة وتنبض، الدم لا يزال يتسرب من الجروح. يده، المجروحة من قبل، كانت ملطخة بمزيج من دمه ودم الكائن. الجلد حول الجرح كان ينبض، وعقله كان ممتلئ بأفكار مظلمة.
نظره تحول إلى السقف، جسده يستسلم أخيرًا للإرهاق. اللعنة… إذن سأموت، أليس كذلك؟
ترجمة : Dark_reader