أمينُ متجر الأبعاد - الفصل 2
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2 : أيها المالك، أتعبث معي؟
تمامًا حين كان هاو على وشك أن يغفو، انفتح الباب محدثًا صريرًا خافتًا.
هبّت نسمة هواء رقيقة، تحمل عبير التراب النديّ وندى الصباح. دخل رجلٌ ذو هالة تجمع بين الأناقة واللامبالاة، بخطواتٍ خفيفة وغير مستعجلة.
كان يرتدي رداءً أسود بسيطًا لكنه أنيق، يحمل على صدره شعار سيفٍ محلّق.
كان شَعره الطويل الداكن مربوطٌ على نحوٍ مرتخٍ، تتدلى منه خصلات تؤطّر ملامحه الحادة والوسيمة.
كان هذا لين يي جون، أحد التلاميذ الداخليين في طائفة السيف العائم.
رغم موهبته الخارقة في الزراعة، إلا أن لين يي جون لم يكن كغيره من أولئك المزارعين المهووسين الذين يغلقون على أنفسهم شهورًا طلبًا للاختراقات.
بل كان يُفضّل السفر، استكشاف الأماكن الجديدة، والاستمتاع بالحياة على طريقته الخاصة.
بعضهم نعته بالعبقري، وآخرون وصفوه بالكسول الذي يهدر موهبته سُدى.
رفع هاو تشن رأسه وحيّاه بخمول:
“أهلًا.”
هذا كل ما قاله. لا حماسة مصطنعة، ولا محاولة لاستدراج الزبون.
ليس لأن هاو لم يكن يائسًا بما يكفي ليحقق بيعة، بل لأن النظام يمنعه تمامًا من الترويج النشط للمنتجات.
لا إعلانات. ولا شرحٌ لما لم يُسأل.
فوجئ لين يي جون، الذي اعتاد الباعة الذين ينهالون عليه بعروضهم، للحظة.
لكنه لم يتوقف عند ذلك. بل جال بنظره في أرجاء المتجر.
من النظرة الأولى، بدا المكان مضاءً بشكل ساطع ونظيف على نحوٍ مدهش.
الرفوف مرتّبة بعناية، الأرضية نظيفة تمامًا، والإضاءة دافئة وجذابة لدرجة أنها بدت في غير محلها في هذا العالم.
كان قد مرّ بجانب هذا المبنى الغريب أكثر من مرة، لكنه لم يستطع أبدًا رؤية ما بداخله من الخارج. وهذا وحده كان كافيًا لإثارة فضوله.
لكن، وبعد جولة قصيرة بنظره، بدأت ملامحه تنحسر.
فهناك أمرٌ غريب…
هناك رفوفٌ كثيرة، لكنها جميعًا، فارغةٌ تمامًا…
ما عدا واحدًا فقط.
اقترب لين يي جون، وضيّق عينيه نحو المنتج الوحيد المعروض في المتجر بأكمله.
كوب غريب الشكل، مرصوص بانتظام، تغلّفه عبوة ملوّنة لم يرَ مثلها من قبل.
وطُبعت عليه كلمات بارزة:
“نودلز فوري بطعم اللحم البقري.”
وتُظهر الصورة على الغلاف وعاءً يتصاعد منه البخار، مليء بالنودلز الذهبية الغنية، تعلوها شرائح لحم وخضروات طافية في مرق شهي.
مسح لين يي جون ذقنه.
أهذا… طعامٌ؟.
ثم انخفض نظره نحو بطاقة السعر.
للحظةٍ، لبث لين يي جون صامتًا يحدّق.
ثمّ ارتعش حاجبه.
وانفرجت شفتاه قليلًا.
وأخيرًا نطق:
“كريستالةٌ واحدة؟!”
تنهد هاو.
ها نحن ذا مرة أخرى.
لكن، وعلى عكس الزبائن السابقين الذين خرجوا غاضبين، لم يغادر لين يي جون على الفور. بل عبس مفكرًا، ومدّ يده ليلتقط كوب النودلز، يقلبه بين راحتيه.
بالنسبة لطعام عادي أن يُسعَّر بكريستالة روحية كاملة؟ لا بد أن هناك خطأً ما. وإن كان كذلك، يمكنه رفع الأمر لوالده.
فوالده هو لين تيانهينغ، أحد الشيوخ التنفيذيين في مدينة السيادة، المسؤول عن مراقبة التجارة وضمان عدم تلاعب التجار أو استغلالهم للناس.
ورغم أن لين يي جون لم يكن من النوع الذي يتدخل في مثل هذه الأمور، إلا أنه يمتلك حسًّا فطريًا بالعدالة.
فكريستالة روحية واحدة تكفي لشراء عشبة طبية نادرة! وإن كان ثمة احتيال هنا، فلن يغض الطرف عنه.
وزن الكوب في راحة يده. كان خفيفًا بشكلٍ مُفاجئ.
وبحكم العادة، ضخّ فيه خيطًا من التشي محاولًا استكشاف محتواه.
… لا شيء.
ازدادت ملامحه عبوسًا. لم يشعر بأي ذبذبة تشي، ولا مكوّناتٍ نادرة، ولا تشكيلات مخفية.
ومع ذلك، ظلّ ممسكًا بكوب النودلز الفوري، وتقدّم نحو المنضدة حيث يقف هاو.
“أيها المدير، هذا طعامٌ، صحيح؟”
نظر إليه هاو وقال:
“نعم. نودلز.”
نقر لين يي جون على الكوب بإصبعه.
“فلمَ هو غالٍ هكذا؟ هل يحتوي على مكوناتٍ نادرة؟ آثار خاصة؟”
توقف هاو قليلًا.
ثم بعد لحظة هزّ رأسه بجدية.
“طعمه لذيذٌ جدًا.”
لين يي جون: “…”
ساد الصمت لثانية داخل المتجر.
ظلّ هاو محافظًا على ملامحه الخالية من أي تعبير.
ارتعشت شفتا لين يي جون قليلًا. فهل كان صاحب المتجر يعبث معه؟.
أخذ نفسًا عميقًا، وقمع رغبته في المغادرة.
لا بأس. إنها مجرد كريستالة واحدة. لقد ادّخر عددًا منها من المهام التي أنجزها في الطائفة، ولم يكن مفلسًا تمامًا. فليجرّب بنفسه ويرى ما الذي يجعل هذا الشيء باهظ الثمن إلى هذا الحد.
“سأشتريها، أيها المدير.”
رفع هاو حاجبه. فلم يتوقع أن تُباع فعلاً.
ودون أن يغيّر تعبيره، أشار بكسل إلى لوحة معلّقة على الجدار.
“أأنت متأكد؟”
تبع لين يي جون اتجاه إصبعه.
القاعدة رقم 2: لا استرجاع، لا استبدال. بمجرد شراء المنتج، يُربط بصاحبه. بل وحتى السماوات لا يمكنها إلغاء الصفقة.
كانت الكلمات واضحة، لكن كلما تمعّن لين يي جون فيها أكثر، بدت أكثر سخرية.
لماذا يشعر وكأنه يوقّع عقد حياة أو موت، بدلًا من مجرد شراء طعام؟.
لكن بما أنه قد اتخذ قراره بالفعل، فلم يعد هناك تراجع.
أخرج كريستالة من خاتم تخزينه، ووضعها على الطاولة.
“حسنًا، أيها المدير، خذ نقودي فحسب.”
تناول هاو كوب النودلز سريعة التحضير، ومرّره فوق صندوق أسود صغير بجانب الطاولة. صدر صوت “بييب” خافت في أرجاء المتجر الصامت.
اكتملت الصفقة.
أعاد الكوب إلى لين يي جون، الذي حدّق فيه للحظة قبل أن يرفع نظره.
“… أيها المدير، كيف آكل هذه؟”
كان هاو ينتظر هذا السؤال بالذات. أشار نحو آلة في زاوية المتجر.
كانت آلة طويلة معدنية، سطحها العاكس أملسٌ ولامع. في واجهتها فتحة صغيرة تقع فوق منصة دائرية مسطّحة، تبدو مصممة لوضع الأكواب عليها.
“أترى هذا؟ هذا موزّع مياه. اذهب إلى هناك.”
موزّع؟ لم يسمع لين يي جون بهذا الشيء من قبل، لكنه مضى نحوه على أية حال.
{ترجمة نارو…}